مقالات

السعودية تسعى لقيادة التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية

قيادة التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية
تسعى المملكة العربية السعودية إلى جعل الوصول إلى الرعاية الصحية أكثر عدالة باستخدام التكنولوجيا وتحسين قيمة الخدمات.

في مواجهة النمو السكاني السريع والتوسع العمراني، اللذين خلقا طلبًا غير مسبوق على الرعاية الصحية، تستثمر المملكة العربية السعودية بكثافة في التحول الرقمي لتحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية وكفاءتها وقدرتها على تحمل التكاليف وقيمتها لسكانها البالغ عددهم حوالي 33 مليون نسمة.

برزت المملكة العربية السعودية كشركة رائدة عالميًا في تكنولوجيا الرعاية الصحية، مدفوعةً بالابتكارات الرقمية في السجلات الصحية، والطب عن بُعد، ومبادرات الصحة القائمة على السكان، والذكاء الاصطناعي. وقد ساعدت هذه التطورات المجتمعات الريفية على الوصول إلى الرعاية الصحية، وتحسين نتائج المرضى، وإعادة تشكيل تقديم الرعاية الصحية.

تُعد استراتيجية رؤية 2030، التي تسعى إلى وضع المملكة العربية السعودية كاقتصاد حديث ومتنوع، ومواءمة أهداف الرعاية الصحية مع الطموحات الاقتصادية الأوسع، عنصرًا أساسيًا في تقدم البلاد. منذ إطلاقها في عام 2016، طرحت رؤية 2030 مجموعة من مبادرات الصحة الرقمية، والتي أثبت العديد منها أهميتها خلال جائحة كوفيد-19.

لقد أكسب هذا الالتزام بالابتكار الرقمي المملكة تقديرًا عالميًا. ففي مؤشر الأمم المتحدة لتنمية الحكومة الإلكترونية لعام 2024، صعدت المملكة العربية السعودية 25 مركزًا لتحتل المرتبة السادسة عالميًا، وهو أعلى تصنيف بين دول مجلس التعاون الخليجي أو منطقة شرق المتوسط، متفوقةً على اقتصادات متقدمة مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان.

على سبيل المثال، سهّل تطبيق “صحتي” توحيد السجلات الطبية، وأتاح للملايين الوصول إلى جدولة اللقاحات والاستشارات الافتراضية. وبحلول عام 2023، وصلت خدمات الرعاية الصحية الأساسية إلى 96.4% من السكان، بمن فيهم سكان المناطق النائية، متجاوزةً بذلك هدف الوزارة البالغ 88%.

بناءً على تجربتها مع تفشي فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV) عام 2012، سارعت المملكة العربية السعودية إلى تطبيق تدابير وقائية خلال جائحة كوفيد-19. وكان السجل الوطني للتطعيمات حجر الزاوية في هذه الجهود، وهو عنصر رئيسي في مسيرة التحول الرقمي في البلاد. مكّن هذا النظام المتطور من رصد سجلات التطعيم بدقة، وتتبع تغطية التطعيم في الوقت الفعلي، وتحديد الأفراد الذين يحتاجون إلى جرعات متابعة. ومن خلال تمكين اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات، أثبت السجل فعاليته في الحفاظ على معدلات تطعيم عالية.

خلال الجائحة، قامت المملكة العربية السعودية أيضًا بتوسيع عروضها الصحية الرقمية لتشمل خدمات الصحة النفسية الافتراضية، حيث تقدم الدعم على مستوى البلاد للمرضى الذين يعانون من القلق والاكتئاب والتوتر نتيجة للعزلة الاجتماعية.

ويقول تقرير الأمم المتحدة: “مع معدل انتشار للإنترنت بنسبة 99% و98% من الخدمات الحكومية المتاحة عبر الإنترنت، تعمل المملكة العربية السعودية باستمرار على تحسين بنيتها التحتية الرقمية”، مسلطاً الضوء على النطاق الواسع لبرنامج “طبيب لكل أسرة” في البلاد وتطبيق صحتي.

تذليل العقبات أمام الرعاية الصحية

كان افتتاح مستشفى صحة الافتراضي (SVH) عام ٢٠٢٢، في إطار رؤية ٢٠٣٠، أحد الإنجازات البارزة للمملكة العربية السعودية، والذي صنفته موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكبر مزود رعاية صحية افتراضية في العالم. واليوم، يلعب مستشفى صحة الافتراضي دورًا محوريًا في تعزيز الرعاية الصحية، من خلال توفير خدمات إلكترونية تُحسّن الوصول إلى المناطق النائية، وتُقلل من حاجة المرضى للتنقل إلى خدمات الرعاية الصحية المتخصصة، وتُقلل من أوقات الانتظار والازدحام في غرف الطوارئ.

يُحدث مستشفى صحة الافتراضي ثورة في مجال الرعاية الصحية من خلال تذليل العقبات الجغرافية وتوفير وصول سلس للمرضى إلى الرعاية المتخصصة، أينما كانوا.

يدعم مستشفى صحة الافتراضي، من خلال خدماته التي تتراوح من الرعاية الحرجة إلى أمراض القلب والأشعة، أكثر من ٢٠٠ مستشفى، ولديه القدرة على استيعاب أكثر من ٤٠٠ ألف مريض سنويًا. يمكن للمرضى حضور استشارات الفيديو في منازلهم، مما يُقلل من البصمة الكربونية للخدمات الصحية، أو في المستشفيات المحلية، حيث يُمكن إجراء القياسات والفحوصات في آنٍ واحد. ويتلقى الموظفون المبتدئون العاملون في المستشفيات في المناطق النائية دعمًا افتراضيًا للتعامل مع الحالات المعقدة، مما يُشجع على تبادل المعرفة.

بصفتها “مركزًا لتمكين الابتكار”، تُشجّع SVH على تبني أحدث التقنيات، بما في ذلك التشخيص بمساعدة الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز لتوجيه العمليات الجراحية، ومراقبة المرضى عن بُعد المدعومة بتقنية إنترنت الأشياء. لا تُحسّن هذه الأدوات الرعاية فحسب، بل تُقلّل أيضًا من أوجه عدم المساواة من خلال مساعدة المستشفيات على تحديد ومعالجة نقص استخدام الخدمات الطبية بين الفئات السكانية المُستضعفة.

ومن الجدير بالذكر أن نموذج SVH الافتراضي يُخفف من حدة المشاكل التي قد تنشأ عن نقص الكوادر التمريضية في المملكة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تتفوق المملكة العربية السعودية على المتوسط ​​العالمي في كثافة الأطباء، حيث تبلغ 27.9 طبيبًا لكل 10,000 نسمة مقارنةً بـ 22.3 طبيبًا عالميًا. ومع ذلك، لا تزال المملكة العربية السعودية تعاني من نقص في عدد الممرضات والقابلات.

حياة أطول وأكثر صحة

مع اقتراب عام 2030، تُكثّف المملكة العربية السعودية جهودها لبناء نظام رعاية صحية قابل للتطوير وعادل ومرن يهدف إلى مكافحة الأمراض المزمنة وزيادة متوسط ​​العمر المتوقع. يقول عبدالله العيسى، وكيل وزارة الصحة للصحة الإلكترونية والتحول الرقمي، إن “المملكة تعطي الأولوية لتجارب الرعاية الصحية متعددة القنوات، والطب عن بعد ومراقبة المرضى عن بعد، وإنترنت الأشياء الطبية، والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الخدمات السريرية وإدارة الأمراض المزمنة”.

يُعدّ الاستخدام الفعّال لموارد الرعاية الصحية محور هذه الرؤية. تسعى مبادرة “القيمة في الصحة” في المملكة العربية السعودية إلى تحديد وتقليل الإفراط في الاستخدام والهدر في الرعاية الصحية، وقد حظيت بدعم وزراء الصحة في مجموعة العشرين. تُقدّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن حوالي 15% من موارد الرعاية الصحية غير فعّالة أو مُهدرة، مما يُؤكد أهمية التكامل الشامل للبيانات السكانية عبر المؤسسات.

بدمج أهداف الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية مع التطلعات الاقتصادية الأوسع، سرّعت رؤية 2030 التحول الرقمي، مما حسّن العدالة الصحية وقيمة الخدمات. والنتائج ملموسة: ففي عام 2023، ارتفع متوسط ​​العمر المتوقع في المملكة العربية السعودية إلى حوالي 77.6 عامًا، مُساويًا المتوسط ​​الأوروبي. أشاد السير موير غراي، استشاري الصحة العامة في مستشفى جامعة أكسفورد التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، بالتقدم الذي أحرزته المملكة قائلاً: “إنهم أكثر تقدمًا من أي دولة أخرى يُمكنني التفكير فيها في التزامهم بالنموذج الجديد للرعاية الصحية”.

المصدر
Impact.economist

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى